الثلاثاء , أكتوبر 7 2025

طلال الجمل يكتب .. متى نُعيد للرموز حقهم في الحياة؟

في كل مرة يرحل فيها عالم جليل أو رمز وطني أو صاحب أثر كبير، تتسابق المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر كلمات الرثاء، وتتنافس الصفحات في سرد سيرته ومناقبه، ويقف الجميع أمام سيرته العطرة بإجلال واعتزاز. لكن السؤال الذي يؤلم القلب: لماذا لا نحتفي بعلمائنا وأصحاب الفضل وهم بيننا؟

لماذا لا نُشعرهم بمكانتهم وقيمتهم في حياتهم، بدلاً من أن تتحول لحظة الرحيل إلى ساعة الندم؟

 

اليوم، ونحن نرى هذا الكم الهائل من الحب والوفاء في وداع فضيلة الإمام الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم – رحمه الله – يدرك كل منصف حجم هذا الرجل في تاريخ الأزهر الشريف، وفي وجدان الأمة الإسلامية، لما قدمه من علم غزير، ومواقف دعوية معتدلة، وصوت وطني حكيم ظل طوال حياته يدعو للوسطية والرحمة والتراحم. لقد اجتمع الجميع على الثناء عليه، وامتلأت وسائل الإعلام ومواقع التواصل بالدعاء له وبذكر مآثره.

 

ولكن – وبكل أسف – هذا المشهد المتكرر يعيد إلى أذهاننا حقيقة مُرّة:

نحن لا نحتفي بالعلماء والرموز إلا بعد رحيلهم.

ننتظر اللحظة التي يصمت فيها الصوت، ويُغلق فيها الكتاب، وتُطوى الصفحة، حتى نفتح دفاتر المديح، ونتحدث عن عطائهم وتأثيرهم وكأننا تذكرنا فجأة أننا فقدنا كنزًا كان بين أيدينا ولم نحسن الاحتفاء به.

 

أليس الأجدر بنا أن نكرمهم في حياتهم؟

أن نُبرز جهودهم، ونمنحهم لحظة الفخر والاعتزاز وهم يرون بأعينهم أن الأمة تقدرهم؟

أن نُعلّم أبناءنا كيف يُحترم العالم، وكيف يُصان قدر أصحاب الفضل قبل أن تودعهم المقابر؟

 

إن تكريم العلماء وهم أحياء لا يزيدهم إلا تواضعًا، ولا يزيد المجتمع إلا رفعة. هو عرفان بالجميل، ورسالة وعي للأجيال القادمة بأن القيم لا تموت، وأن الوفاء لا يُؤجَّل إلى لحظة الرحيل.

 

رحم الله فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عمر هاشم، العالم الذي علّم الناس الخير، وترك فيهم نور العلم والقدوة. ونرجو أن يكون رحيله درسًا بليغًا لنا جميعًا:

أن نُحب العظماء في حياتهم،

 

وأن نقول لهم “شكرًا” قبل أن نصيغها في صيغة “رحمك الله”.

 

وفي ختام المشهد، تبقى الدعوة صادقة إلى كل المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية بأن تجعل من تكريم العلماء في حياتهم نهجًا دائمًا لا استثناءً بعد الرحيل، وأن نُعيد إلى وجدان المجتمع قيمة “الاعتراف بالجميل” قبل أن يُكتب في صفحات الوداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *