لم تبدأ علاقة الكنيسة بالحرب في أكتوبر 1973، بل سبقتها سنوات من الإعداد والمعاناة خلال حرب الاستنزاف. ففي تلك الفترة، حرص قداسة البابا شنودة على الالتقاء بالجنود المصريين، وكان يقول لهم: “إن مصر بلد عظيمة ومحبوبة، والدفاع عنها شرف وواجب، ونحن نصلي من أجلكم باستمرار أن يحفظكم الله.. وثقوا أنه مادام الله معكم فإنه سينصركم على أعدائكم”.
هذه الكلمات لم تكن مجرد خطاب ديني، بل كانت رسالة طمأنينة وثقة للجنود، تؤكد أن الكنيسة حاضرة بقوة في المعركة، وأن النصر مرتبط بالإيمان والعمل المشترك
وفي أكتوبر 1974، زار البابا شنودة الجبهة في سيناء بصحبة اللواء أحمد بدوي، قائد الجيش الثالث الميداني. هناك وقف بين الجنود، وشاركهم فرحة الأرض المستعادة، في مشهد يرسخ أن الكنيسة حاضرة بين صفوف المدافعين عن الوطن.
وفي نفس الشهر، دعا البابا إلى مؤتمر شعبي كبير بمناسبة مرور عام على حرب أكتوبر، حضره كبار قادة الدولة والجيش إلى جانب مجموعة من ضباط وجنود معركة العبور. وفي خطابه الوطني الجامع قال: “نحيي الروح الوطنية التي تربطنا باستمرار معاً، وفي كل مناسبة يجتمع المسيحيون والمسلمون كإخوة أعزاء بدم واحد وهو دم مصر، ووطنية واحدة، وقومية واحدة وأهداف واحدة ووسائل واحدة”.
وفي عام 1976، لبّى البابا دعوة اللواء فؤاد عزيز غالي، قائد الجيش الثاني الميداني، وزار وحدات الجيش بالإسماعيلية، حيث أقيم له حفل استقبال رسمي بحضور المحافظ والقادة العسكريين. وقد بدا ذلك اليوم كعلامة مضيئة على الوحدة الوطنية التي تجسدت في أبهى صورها.
لم يكن احتفال الكنيسة بانتصار أكتوبر حدثًا عابرًا، بل تحول إلى طقس وطني متجدد. فقد اعتاد البابا شنودة أن يشارك كل عام في الاحتفال الرسمي بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الحرب، تأكيدًا على أن دماءهم ستظل محفورة في وجدان الكنيسة والوطن.
كما حضرت الكنيسة كل المناسبات الوطنية الكبرى، مثل احتفالات عودة مدينة العريش، ثم عودة طابا إلى أحضان وطننا الغالي. في كل هذه اللحظات كانت الكنيسة تؤكد أن قضايا الوطن هي قضاياها، وأنها شريك أصيل في مسيرة التحرير والبناء