كتب ✍🏻 السيد الروكى
عند قرأتى للمصحف استوقفتني هذه الاية في سورة العنكبوت في قوله تعالي ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون)(٦٤)
هنا يجب ان نقف قليلا على كلمة (الحيوان)، فما علاقة “الحيوان” الذى يمشى على أربع بالدار الآخرة ؟
فيقرأ الآية مرة ثانية ” فيجد المولى سبحانه وتعالى يختم الآية الكريمة بقوله ” لو كانوا يعلمون ” وفى ذلك إشـارة ضمنيــة إلى البحــث في هذه الكلمة ، فيرجع إلى كتب التفاسير، فيجد تفسيرا للكلمة تأتى فى بعضها على النحو التالى :
(الطبري ) الحيوان: حياة لا موت فيها.
( ابن كثير ) الحيوان: أى الحياة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هى مستمرة أبد الآباد.
( القرطبى ) الحيوان : أى دار الحياة الباقية التى لا تزول ولا موت فيها ، وزعم أبو عبيد أن الحيوان والحياة والحي بكسر الحاء .
(البيضاوي) الحيوان: مصدر حي، سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما فى بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم
(فتح القدير ) قال ابن قتيبة وأبو عبيدة: إن الحيوان الحياة، وقال الواحـــدي ( وهو قول جميع المفسرين) ذهبوا إلى أن معني الحيوان دلالة للحياة.
ومن هذه التفاسير ، يعلم المسلم أن معني الحيوان هنا ” الحياة ” وليس ” الحيوان ” الذى يمشى على أربع ، فيسأل المسلم نفسه مرة أخرى :
لماذا ذكر رب العزة الآية بلفــظ ” الحيوان ” ولم يذكرها بلفظ “الحياة؟ من المؤكد أن هناك فرقا في المعني بين اللفظين.
الاجابة:
بالتأكيد هناك فرق بين اللفظين فى المعنى ، وسببه النون المسبوقة بالألف المد ، ونعلم جميعا أن كل زيادة فى مبنى الكلمة تعطى زيادة فى المعنى ، مثل : كلمة ” مدرس ” و” مدرسون ” فزيادة الواو والنون هنا زيادة فى المبنى وتعطى زيادة فى المعنى ، لأن كلمة مدرس تدل على المفرد، والواو والنون تدل على الجمع ، ونطلق عليه في علم اللغة الحديث: Morpheme : وهو أقل وحدة صرفية تحمل معنى فى بنية الكلمة ، والنون المسبوقة بالألف المد فى نهاية الاسم تعطى زيادة فى المعنى وهى : حقيقة الشيء ، والاسم بدون الألف والنون يدل على صورة الشيء، والفرق بين حقيقة الشىء وصورته، كالفرق بين حقيقة الشخص وصورته فى المرآة، فالحياة صورة، أما الحياة بزيادة الألف والنون( بحذف تاء التأنيث وقلب الألف واوا) هى الحيوان أى حقيقة الحياة .
· فرب العزة ذكر كلمة الحياة خمس مرات عند الحديث عن الحياة الدنيا كما فى قوله تعالى:” ولكم فى القصاص حياةٌ يا أولى الألباب لعلكم تتقون ” ( البقرة 179 )، وذكر كلمة الحياة احدى وسبعين مرة مقترنة بكلمة الدنيا، كما فى قوله تعالى: ” وما هذه الحياةُ الدنيا إلا لهوٌ ولعبٌ ” ( العنكبوت 64 ) ، وذكر كلمة الحياة مرة واحدة مع الدار الآخرة وأتت بلفظ الحيوان في قوله تعالي: ” وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون “.
· وهذا يعطينا دلالة عظيمة، وهى أن الحياة الدنيا صورة من صور الحياة، أما الحياة فى الدار الآخرة فهي الحيوان أي حقيقة الحياة, ولو أن المولى عز وجل استخدم لفظ الحياة لوصف الدار الآخرة لتساوت الحياة الدنيا بالدار الآخرة.
ولعل سائل يسأل : ما علاقة لفظ الحيوان الذى يمشى على أربع ، بلفظ الحيوان الذى
يدل على حقيقة الحياة ؟
والإجابة : إن الحيوان الذى يمشى على أربع ليس له حياة أخرى ، ولا يحيى سوى مرة واحدة، ولذلك فالحياة التى يحياها الحيوان على الأرض بالنسبة له هى حقيقة الحياة (الحيوان) ولذلك سمى بها.