بقلم : م. محمد ابو السعود عبد الكافي ده
استدامة وطن يُعتبر مفهومًا شاملاً مفعمًا بروح من الإلهام والأمل، ويتجاوز مجرد إدارة الموارد كرؤية استراتيجية تضمن التوازن بين الاحتياجات الحالية والمستقبلية، ولا تتعلق الاستدامة بما تمتلكه الدول من موارد وثروات
فحسب بل أيضًا بقدرتها على إدارة هذه الموارد بحكمة وفعالية، وتتأسس على ترسيخ منظومة قيمية ومبادئ تُشكل أساس الاستقرار والتنمية المستدامة، فهي تعني الحفاظ على الهوية الوطنية والانتماء، وصون التراث الثقافي والتاريخي ليبقى ركيزة للأجيال القادمة، مع ضمان استغلال الموارد البيئية بطريقة تحقق التوازن بين التنمية والاستهلاك، وهذا يتطلب اعتماد سياسات واستراتيجيات طويلة الأمد تراعي الاستدامة البيئية والجوانب الاجتماعية وسياسات النمو الاقتصادي، ودعم الابتكار والإبداع في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الاستثمار الجيد في التعليم والثروة البشرية والتدريب لإعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، مما يضمن الاستمرارية والازدهار، وبذلك تُصبح الاستدامة ركيزة أساسية لضمان مستقبل أفضل للأوطان، مع الحفاظ على موروثاتها الثقافية والاجتماعية.
ويُعد بناء الوعي المجتمعي من الركائز الأساسية لاستدامة الأوطان، حيث يلعب المجتمع دورًا حيويًا في تحقيق أهداف الاستدامة، ويتطلب ذلك إقامة شراكات فعّالة بين المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني، مما يشجع التعاون لتحقيق أهداف مشتركة، وتفعيل الحوكمة الرشيدة من خلال وضع سياسات شفافة وعادلة تُفعل من قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار والنمو؛ وتسعي استدامة الأوطان لتحقيق التوازن بين الحفاظ على الهوية الوطنية وتنمية الموارد واستثمار طاقات الأفراد، إنها عملية مستمرة تتطلب تكامل الجهود بين القيادة الحكيمة والشعب، مما يجعلها أسلوب حياة ومفهوم يضمن بناء أجيال قادرة على حمل الأمانة ومواصلة المسيرة نحو بناء مستقبل آمن.
وارتأى أن الوطن المستدام هو ذلك الذي يتمسك بأصالته وقيمه الثقافية، وفي الوقت نفسه يكون منفتحًا على التطور والتجديد وتتحقق استدامة الوطن من خلال تمكين الشباب، والاستثمار في التعليم، وحماية البيئة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية ودعم الاقتصاد بما يخدم المواطنين والمجتمع فهي عملية ديناميكية تتطلب مسؤولية جماعية وتعاون من الجميع لتحقيق رؤية متوازنة وبهذا الإطار، يعيش المواطنون في بيئة آمنة ومستدامة تُشع بالأمل وتلهم الأمم الأخرى، وهذا يتطلب الالتزام والثقة بين مختلف مكونات المجتمع، مما يؤدي إلى تحقيق التنمية الشاملة التي تنعكس إيجابًا على حياة الأفراد والمجتمعات، فاستدامة الأوطان ليست مجرد هدف، بل هي رحلة مستمرة نحو بناء مستقبل مشرق ومتوازن.
وتُمثل القيم الأخلاقية الأساس الراسخ الذي تُبنى عليه استدامة الأوطان وتقدمها، فهي تشكل الإطار الذي يُنظّم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، مما يقوي التماسك الاجتماعي والاستقرار، وتسهم القيم مثل النزاهة، والعدالة، والمسؤولية، والتعاون في توفير بيئة مُحفزة على الإنتاجية والإبداع، وتدعم بناء مجتمع قوي ومتماسك؛ فعندما تتبنى الدول هذه القيم في سياساتها وتعاملاتها، تصبح قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة، وهذه القيم ليست مجرد نظريات أو مبادئ، بل هي عوامل عملية تُوجه السلوك الإنساني نحو المصلحة العامة، مما يقوي الثقة بين أفراد المجتمع ومؤسساته، وبالتالي يمكن القول إن استدامة الأوطان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى تمسكها بالقيم الأخلاقية، حيث تضمن تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين الحرية والمسؤولية.
وتمكُن أهمية منظومة القيم الأخلاقية في تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع بمختلف مكوناته، ودعم العدالة والمساواة دون تمييز؛ فعندما يشعر الجميع بالمساواة، وتزداد الثقة بالمؤسسات وتقل النزاعات، وتتأكد مصداقية القادة والمؤسسات السياسية، يختفي الفساد ويتعمق شعور المواطنين بالانتماء والمسؤولية، ويتم تبني مشاريع اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحقيق نمو مستدام، ويتأتى الارتباط بين القيم واستدامة الوطن كنتيجة طبيعية لبيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية تتسم بالقيم الأخلاقية، ولكن في غياب هذه القيم، قد تواجه المجتمعات تحديات كبرى مثل الفساد، والانقسام، وعدم الاستقرار؛ لذا، فإن حماية منظومة القيم الأخلاقية هو واجب وطني يُسهم في بناء مجتمع قوي وأمة حضارية عريقة.
كما يُبرز الدور المحوري للتعليم في بناء مستقبل أفضل؛ للدخول إلى عالم جديد من الفهم والاستدامة فالتعليم لا يقتصر فقط على نقل المعارف والعلوم، بل يمتد ليصبح منصة تُرسّخ قيم الحب، الإخلاص، الولاء، والمسؤولية تجاه الوطن والإنسانية، ومن هنا ندعو لاستدامة الاستدامة حيث تُضيف بُعداً جديداً لرؤية التنمية المستدامة؛ فهي دعوة لاستمرارية الجهود المتكاملة التي تجمع بين التعليم، والبيئة، والاقتصاد، والمجتمع، بحيث تُنتج جيلاً قادراً على الابتكار والإبداع، يعيش بروح الانتماء لوطنه ويسعى لجعل العالم مكاناً أكثر إشراقاً؛ فبناء الأوطان لا يقتصر على العمل والعطاء فقط، بل يتطلب أيضاً شعوراً صادقاً بالولاء والانتماء، وهو ما يُؤكد السعي الدائم لجعل الحياة أكثر جمالاً وازدهاراً؛ فلنستمر في تنمية تلك القيم وإثراء ساحات المؤسسات التعليمية وغيرها من المؤسسات بالمعارف التي تغذي العقول والقلوب معاً، ليصبح كل فرد جزءاً من حكاية الوطن التي تُروى للأجيال القادمة بروح من الإلهام والأمل.
والدولة المصرية، بتاريخها العريق ومكانتها الجغرافية المميزة، وقيادتها الحكيمة، تعمل بشكل متواصل على تحقيق استدامة الوطن، من خلال جهود متعددة تشمل الأبعاد البيئية، الاقتصادية، والاجتماعية وتتماشى هذه الجهود مع رؤيتها المستقبلية لتحقيق الاستدامة كأسلوب حياة يضمن بناء أجيال قادرة على حمل الأمانة ومواصلة المسيرة، وتُعتبر رؤية مصر 2030 الإطار الاستراتيجي الذي يوجه جهود التنمية المستدامة، حيث تشمل محاور أساسية مثل التنمية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة، وتركز على تحقيق التوازن بين هذه المحاور، وتشجيع الاستثمارات في القطاعات الحيوية كالطاقة، الزراعة، التعليم، والصحة، والتحول نحو الطاقة المتجددة، وتأكيد قدرة مصر على مواجهة التحديات المستقبلية، مما يُدعم من استدامة الوطن ويرسخ قيم التنمية الشاملة.
ومن بين المشروعات الضخمة التي تم تنفيذها بالدولة المصرية، مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، الذي يُعد واحدًا من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، بالإضافة إلى أنه تم تنفيذ مشروعات طاقة الرياح في خليج السويس ومناطق أخرى، كما تم إنشاء محطات لتحلية المياه وتطوير نظم الري الحديث في الزراعة لتقليل الفاقد، وتنفيذ مشروعات إعادة تدوير المياه ومعالجتها، وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية، وفيما يتعلق بالبنية التحتية، بالإضافة للتوسع في البنية التحتية الذكية، حيث أُطلقت العديد من المشروعات القومية العملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، التي تُبنى باستخدام أحدث التقنيات لتوفير بيئة متطورة ومستدامة، كما تدعم مصر الزراعة المستدامة من خلال مشروع المليون ونصف المليون فدان، بالإضافة إلى التوسع في الزراعة العضوية والممارسات الزراعية المستدامة لتحسين الأمن الغذائي، وتُمثل هذه المشروعات خطوات مهمة لتحقيق الاستدامة وضمان مستقبل أفضل.
علاوة على ذلك، تم إطلاق العديد من المبادرات البيئية مثل مبادرة أتحضر للأخضر، التي ا تعمل على تشجيع المواطنين لتبني أنماط الحياة وممارسات صديقة للبيئة وتوعيتهم بالقضايا البيئية، وفي هذا السياق استضافت مصر مؤتمر الأطراف لتغير المناخ (COP27) بشرم الشيخ عام 2022، مما يعكس دور مصر الريادي في قضايا التغير المناخي العالمي، وذلك بهدف الوصول إلى وطن مستدام، مما يساهم في توفير نوعية حياة جيدة لجميع المواطنين.