السبت , أكتوبر 18 2025
أخبار عاجلة

عالم على حافة الاختراق.. الذكاء الاصطناعى يقود موجة جديدة من الجريمة الرقمية.. الإنتربول: المجرمون يستخدمون الـAI أسرع من الحكومات ولا دولة قادرة على المواجهة وحدها.. تقارير: 16 ألف خرق فى 9 أشهر

 

في عالمٍ يتسارع فيه كل شيء، لم تعد التهديدات تُقاس بالمسافة أو القوة، بل بقدرة خوارزمية واحدة على اختراق أنظمةٍ تبني عليها دولٌ بأكملها مستقبلها الاقتصادي والسياسي، ونحن اليوم لا نعيش فقط عصر الذكاء الاصطناعي، بل عصر الاعتماد عليه، حيث تتقاطع حدود الإنسان والآلة عند نقطة حساسة تُسمّى الثقة الرقمية، ومع اتساع رقعة هذا العالم الذكي، تتزايد الأسئلة: من يحمي البيانات حين تصبح أثمن من الذهب؟ وكيف نضمن أن الذكاء الذي صنعناه لن يتحول إلى سلاح ضدنا؟

 

ومع تسارع التحول الرقمي، اليوم السابع عرض الأسئلة والمخاوف على خبراء الأمن السيبراني وصانعو السياسات والمبتكرون، لمعالجة السؤال الأكثر إلحاحاً في عصر الذكاء: كيف نؤمّن عالماً تقوده البيانات والذكاء الاصطناعي؟، حيث دعوا إلى ضرورة وجود استجابة عالمية موحّدة تُرسّخ الأمن والأخلاقيات والثقة في صميم التقدم المدفوع بالذكاء الاصطناعي.

 

وحذّر الخبراء من أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والهجمات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد الرقمية المعقدة، تعيد تشكيل المشهد السيبراني العالمي.

 

وأكد تقرير حديث صادر عن مجلة SQ Magazine أن الخروقات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بلغت 16,200 حادثة حتى سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 49% عن العام السابق، وشهد الشرق الأوسط وحده زيادة بنسبة 31% في حملات التجسس والهجمات السيبرانية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، استهدفت بشكل خاص البنى التحتية الحيوية لقطاعات النفط والطاقة.

 

وتوقّع تقرير آخر صادر عن سايبرسكيورتي فنتشرز، أن الخسائر العالمية المتوقعة بسبب الجرائم السيبرانية ستصل إلى 10.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2025، متجاوزة بذلك التكلفة السنوية للكوارث الطبيعية، لتصبح الجريمة السيبرانية – لو كانت دولة – الاقتصاد الثالث الأكبر في العالم.

 

ورداً على المخاوف قال الدكتور نيل جِتون، مدير مكافحة الجرائم السيبرانية في الإنتربول: “يستخدم المجرمون الذكاء الاصطناعي لزيادة نطاق عملياتهم وكفاءتها وفعاليته، وفي الإنتربول، نجمع الدول مع ممثلين من القطاع الخاص للعمل معاً على الخطوات اللازمة للتصدي للجرائم السيبرانية بفاعلية”.

 

وأوضح جيتون، أن العالم يواجه مرحلة جديدة من الجريمة الرقمية، حيث تتسارع الأدوات الإجرامية بوتيرة تفوق قدرة الحكومات على المواكبة، وأشار إلى أن أسرع التهديدات نمواً هو التصيّد الاحتيالي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، إذ يستخدم المهاجمون أدوات توليد النصوص والصوت لتخصيص رسائل البريد الإلكتروني والاتصالات الهاتفية، مما يجعلها أكثر إقناعًا وصعوبة في الاكتشاف.

 

وأضاف: “الذكاء الاصطناعي سيزيد فاعلية هذه الهجمات، ولهذا علينا أن نُدرّب المجتمعات على التفكير النقدي قبل أن تضغط على أي رابط”.

 

وكشف جيتون أن الإنتربول أطلق برنامجًا توعويًا للشباب في آسيا والمحيط الهادئ حول النظافة الرقمية، شارك فيه أكثر من 800 طالب، مؤكدًا أن رفع الوعي بات جزءًا من منظومة الدفاع العالمية، وقال: “لا دولة، ولا شركة، ولا وكالة تستطيع مواجهة هذا الخطر وحدها، الأمل يكمن في التعاون لا في الانعزال، فحين تتشارك القدرات، نستطيع أن نقلّص الفجوة”.

 

وقال طارق سلامة، مدير هندسة الحلول في الشرق الأوسط، أن هناك مخاوف حقيقية لدى الحكومات والمسئولين من إتاحة المعلومات والبيانات خاصة مع تصاعد الهجمات السيبرانية فيما يتعلق بتلك البيانات الحساسة وشديدة الخصوصية، ولفت إلى أن شركات التقنيات اصبحت تتفهم مخاوف المسئولين، ولذلك تحاول أن تضع إجراءات حماية قوية خاصة لتلك المعلومات الحكومية، ويتم الآن بناء مراكز البيانات حاليا خاصة الحكومة منها، بطريقة آمنة للتحكم في تلك البيانات وضمان عدم العبث بها بعد إضافتها من الجهات الرسمية”.

 

أما عن مواجهة الحكومات قال عمر سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، أن على الحكومات والمؤسسات إعطاء الأولوية لبناء القدرات في الذكاء الاصطناعي وإدارة المخاطر بوصفهما ضرورتيْن وطنيتيْن، لافتا إلى أهمية التنظيم الاستباقي، لكنه يجب أن يكون مبنياً على معرفة، مضيفا: “نحتاج إلى سياسات مرِنة للتعامل مع أثر الذكاء الاصطناعي مع تطوره وإدارته بفاعلية في كل خطوة”.

 

وبالأرقام كشف تقرير حديث للإنتربول الدولي أن الجريمة السيبرية تمثل أكثر من 30% من مجمل الجرائم المبلَّغ عنها في غرب أفريقيا وشرقها، وتتمثل أبرز التهديدات في الاحتيال عبر الإنترنت، وبرمجيات الفدية، والابتزاز الرقمي، في حين أفادت 90% من البلدان الأفريقية بالحاجة إلى تحسين قدراتها في إنفاذ القانون والملاحقة القضائية.

 

وأشار التقرير إلى أن ثلثي الدول الأفريقية التي شملتها الدراسة أوضحت أن الجرائم الرقمية تمثل نسبة بين المتوسطة والعالية من إجمالي الجرائم، بزيادة قدرها 30% خلال عام واحد.

 

وفي جلسة نقاشية، على هامش جيتكس جلوبال، سلطت ليزا-لي باكوستا، وزيرة العدل والشؤون الرقمية في إستونيا، الضوء على استراتيجيات الحكومات في بناء منظومات رقمية متينة، وقالت: “إن كل هجوم سيبراني يخلّف آثاراً متعدية، لذا فإن التعاون بين الباحثين والمتخصصين السيبرانيين والشركات والحكومات أمرٌ أساسي بالفعل”.

 

وفي سؤالنا عن علاقة الذكاء الاصطناعي بتزايد الهجمات السيبرانية، قال سمير ساران، رئيس مؤسسة أوبزيرفر ريسيرش فاونديشن، إن التوترات السياسية المتصاعدة أدت إلى زيادة حادة في الطلب العالمي على القدرات السيبرانية، وأوضح أن الذكاء الاصطناعي ضاعف قدرات الهجوم أضعافًا مضاعفة، ما خلق تحديات جديدة للحكومات والأسواق على حد سواء، مضيفًا أن العالم لا يزال غير متساوٍ في جاهزيته للأمن الرقمي.

 

وفي توصيفه للوضع الحالي قال :”جزء من العالم على دراية كبيرة بالآخر بينما الجزء الآخر لا يملك الأدوات، فحتى الدول المتقدمة تكنولوجياً ليست في مأمن من الخطر، الولايات المتحدة على سبيل المثال أكثر عرضة من الصين”.

 

واتفق الخبراء وواضعو السياسات على أن المشهد الرقمي أشبه بمعادلة دقيقة التوازن، فذكاء بلا ضوابط يعني فوضى، وتنظيم بلا مرونة يعني جمودًا، وبين الخوف من المجهول والرغبة في السيطرة، تتشكل معادلة الأمن في زمن الذكاء الاصطناعي.

 

فالخطر الحقيقي ليس في أن تتعلم الآلة كيف تفكر مثل الإنسان، بل في أن يتوقف الإنسان عن التفكير النقدي ويترك الخوارزميات تقرر نيابةً عنه، والأمن السيبراني لم يعد مسؤولية الحكومات وحدها، بل مسؤولية إنسانية مشتركة

، تتطلب وعيًا، وتعاونًا، وثقةً تُبنى على المعرفة لا على الخوف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *