بقلم ✍️ طلال الجمل
في زحام الحياة اليومية وسرعة الإيقاع الذي يلتهم الوقت والمشاعر معًا، برزت عبارة قصيرة لكنها تعبّر عن ظاهرة اجتماعية عميقة: “يلا نفسي”.
جملة أصبحت عنوانًا لمرحلة يغلب عليها الطابع الفردي، حيث يسعى كل إنسان لإنقاذ نفسه أولًا، ولو على حساب الآخرين. لكن هل هي مجرد نتيجة طبيعية لضغوط الحياة؟ أم تحوّلت إلى أزمة قيم تهدد روح المجتمع؟
من التعاون إلى الفردانية
لم يكن المصري بطبعه أنانيًا أو منطويًا، بل كان رمزًا للتكافل والمروءة.
في القرى والمدن على حد سواء، كانت “إيد في إيد” هي القاعدة التي تُبنى عليها العلاقات، وكانت “المصلحة العامة” قبل “المصلحة الشخصية”.
أما اليوم، فصارت “يلا نفسي” تمثل حالة من الانغلاق الاجتماعي، حيث يُنظر لكل موقف بمنظار “أنا أولًا”، في تراجع واضح لروح الجماعة التي ميّزت المجتمع لعقود طويلة.
تبريرات واقعية.. أم أعذار مريحة؟
حين تسأل من يتبنّى هذا السلوك، ستسمع عبارات مثل:
> “الدنيا صعبة”، “كل واحد يشيل نفسه”، “اللي يفكر في غيره بيتعب”.
تبريرات تبدو منطقية ظاهريًا، لكنها تخفي وراءها تطبيعًا تدريجيًا مع الأنانية.
صحيح أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية جعلت الناس أكثر حذرًا، لكن ما يُقلق حقًا هو تحوّل الحذر إلى برود، والمسؤولية إلى لامبالاة.
فقد أصبح كثيرون يخشون مساعدة غيرهم حتى لا “يتورطوا”، وغاب الإحساس الجمعي بالمسؤولية تجاه الآخر.
مجتمع بلا روح
عندما تتحوّل “يلا نفسي” إلى ثقافة عامة، يصبح المجتمع مجموعة أفراد يعيشون جنبًا إلى جنب دون أن يجمعهم رابط إنساني حقيقي.
تتآكل قيم الإيثار والرحمة، ويصبح النجاح الفردي هو الغاية القصوى حتى لو جاء على حساب الآخرين.
ومع الوقت، تتبدّد الثقة، ويزداد التنافر الاجتماعي، فنجد أنفسنا نعيش في عزلة رغم الزحام.
—
الطريق إلى استعادة الإنسان
الخروج من هذه الدائرة لا يحتاج شعارات، بل تربية جديدة للضمير الجمعي.
أن نعيد إحياء قيم “الجار للجار”، و”اللي في ضيقة نوقف جنبه”، و”ما ينفعش أفرح لو غيري موجوع”.
أن نعلّم أبناءنا أن “ابدأ بنفسك” لا تعني “انسَ غيرك”، بل تعني أن تكون قدوة في الخير قبل أن تطلبه من الناس.
ختامًا
قد تكون “يلا نفسي” صرخة تعب من واقع ضاغط، لكنها لا يجب أن تتحول إلى أسلوب حياة.
فالمجتمعات لا تُبنى بالأنانيين، بل بمن يملكون قلوبًا كبيرة ترى أبعد من حدود الذات.
فلنُغيّر المعنى..
ولتكن “يلا نفسي أساعد”، “يلا نفسي أفرّح”، “يلا نفسي أكون سبب خير” ❤️
موقع وشبكة دمياط آخر ساعة الإخبارية مصداقية حيادية موضوعية