الثلاثاء , أكتوبر 7 2025
أخبار عاجلة

سي عمير والجمل الأخير .. قصة واقعية تحمل في طيّاتها عِبرًا قد تغيّر نظرتك للحياة…

كتب ✍🏻 السيد الروكى

 

كان هناك رجل يُدعى عمير، عُرف بين الناس ببخله العجيب، حتى أن البعض قال إن بخله يُضرب به المثل. عاش زاهدًا في كل شيء إلا المال… بلغ من شدة التقتير أن يقسم حبّة الزيتون إلى نصفين، يأكل أحدهما في ليلة مع ربع رغيف، ويحتفظ بالثاني لليلة التالية مع قليل من الخل والبصل!

كان دائم الجوع، لا يشتكي، بل يتلذذ بعدّ ما جمعه من نقود فضيّة، خبّأها في جرّة طمرها تحت فراشه وكأنها كنز لا يُقدّر بثمن.

 

وذات يوم، جاءه خبر وفاة عمّه، وورث عنه أربعة جمال، ومن شدة فرحته، أخرج ما ادّخره من مال واشترى جملًا خامسًا، ظنًّا منه أن الجِمال ستفتح له أبواب الثراء دون أن يخسر شيئًا من ماله.

 

في ذلك الزمان، كان التجار يستأجرون الإبل لنقل البضائع بين المدن، فدخل عمير هذا المجال، يعمل ليل نهار، لا يعرف الراحة، ولا يرحم دوابه. كان ينهكها جوعًا وعطشًا، ومع ذلك كانت تسير مجبرة تحت سوطه. لم يُطعمها جيدًا، ولم يرحمها يومًا.

 

ومع الوقت، ذاع صيته في السوق، ولقّبه الناس بـ”الجمّال الذي لا يكلّ”، لكنه لم يُعرف إلا ببؤسه وشحّ مظهره، فلا ملبس يدلّ على ثراء، ولا مسكن يُناسب صاحب ثمانين جملًا، ولا طعام يغني عن سؤال. يأكل من صدقات الجوامع، وينام بجانب دوابه على كومة قش، وكلما جمع مالًا اشترى جملًا جديدًا، ولا يُنفق على نفسه فلسًا.

 

نصحه الأهل والجيران:

“تزوج، استرح، استأجر من يساعدك…”

لكنه كان يرى كل ذلك خسارة في المال. حتى أنه رفض أن يُوظّف صبيًا يعاونه، وبلغ به البخل أن صار يفتح بعض أكياس التجار في الطريق، يأخذ منها القليل ليأكل، دون علمهم!

 

وفي إحدى الليالي، وبينما كان في طريقه محمّلًا بأكياس القمح والتمر، اشتدّ عليه الجوع. أوقف القافلة، وأشعل نارًا صغيرة، قلى قليلًا من القمح، طحنه بحجر، خلطه بالماء وأكله مع تمرٍ يابس.

 

وبينما هو يأكل، لمح من بعيد شيخًا طاعنًا في السن، بلحية بيضاء، وثوبٍ مغبر، يقترب منه ببطء واضح، وكأن خطواته تُقاوم التعب والجوع.

كره عمير أن يشاركه طعامه، فأدار وجهه متجاهلًا، لكن الشيخ اقترب وقال بصوت مبحوح:

 

“السلام عليكم.”

 

لم يُجبه عمير، وكأنه لم يسمع. جلس الشيخ بجانبه، مدّ يده نحو الصحفة، وقال:

 

“إكرام الضيف واجب.”

 

غضب عمير وقال:

 

“هذا طعامي، جهد يومي، الزاد لا يكفينا اثنين!”

 

ابتسم الشيخ بهدوء وقال:

 

“والمال الذي جمعت، هل يكفيك إن جاءك يوم لا تستطيع فيه طحن القمح ولا إشعال النار؟”

 

لم يُجب عمير، بل هزّ كتفيه بلا اهتمام.

 

فقال الشيخ:

 

“المال رزق، لكن البركة في الكرم. وإنّما تملك من الجمال ما لو سُئلت عنها يومًا، لما وجدت لها فضلًا يُذكَر…”

 

وما إن أنهى كلمته حتى نهض ومضى، دون أن يلتفت، تاركًا عمير حائرًا يتساءل:

من هذا الشيخ؟ كيف عرف عني كل شيء؟ ولماذا أحسست للحظة أن كلماته دخلت قلبي كسهم؟!

 

ومنذ ذلك اليوم، بدأت الأمور تنقلب عليه…

 

مرضت بعض الإبل.

وهرب بعضها.

وسُرقت أخرى.

وتراكمت عليه الديون.

وبدأ التجار يتجنّبونه بعد أن تسرّب إليهم أنه يأخذ من بضائعهم سرًا.

 

حاول أن يستعيد ما فاته، لكنه وجد نفسه وحيدًا، مُفلسًا، لا دواب، ولا تجارة، ولا حتى من يطرق بابه ليسأله عن حاله.

 

وفي ليلة باردة، جلس على قشة مهترئة بجانب حائط متهالك، يمسك بيده حبة تمر يابسة، وهمس لنفسه:

“ليتني دعوت الشيخ إلى صحفتي…”

 

خاتمة للعبرة:

 

لا تجعل المال يحجب عنك نور الكرم، ولا تحبس الخير في جيبك فتُحرم بركته في حياتك.

كم من رجل ظنّ أنه أصبح غنيًا بما يملك، وهو في الحقيقة أفقر الناس لأنه لم يتذوّق لذّة العطاء.

المال وسيلة، لا غاية.

ولا تنتظر شيخًا غريبًا ليوقظك من غفلتك… فربما لا يأتيك أحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *